Thursday, February 19, 2009

عشق الهدوء والانطواء



الحمد لله في السراء والضراء ، فلقد تعودت الحمد كثيرا بعد إصابتي بمرض رهيب، مهلا لا ترتعبوا هكذا فهو مرض ليس خطير أو مميت، ولكنه ابسط ما أقول عنه انه مرض سخيف، أو قل: مرض مقلق يصبح المصاب به لا يهدأ على حال وخاصة عندما توجد (الهجمة الشرسة) وهذا حسب ما تسميها منظمة الصحة العالمية، فلقد تعودت ابنتي منذ أن عرفت الكمبيوتر أو على الأصح منذ أن عرفت كيف تحرك مؤشر البحث لتبحث عن شيء ما على الانترنت، أن تبحث لي – وخاصة عندما تأتيني تلك (الهجمة الشرسة)- عن آخر صيحة في موديلات.. توء..توء أسفه اقصد في الأوراق العالمية التي تصدرها منظمة الصحة العالمية عن هذا المرض والذي يسمى (منير) وهو مرض سخيف يصيب الأذن نتيجة تركيز السوائل خلف طبلة الأذن، وهو يؤثر على اتزان الجسم، كما يؤثر على الرأس والعينين، وأيضا ضربات القلب، كما يحدث دوار بالرأس، قل باختصار أن فجأة وبدون أي مؤشر أو أي أسباب، يجد المريض نفسه شخص آخر، وش في الأذن كما لو كنت تشغل داخل أذنك جهاز تلفزيون يعمل بعد انتهاء فترة الإرسال، وهذا عادة لا يهدأ أبدا ومعي طيلة أكثر من عشرون عام، وأنا بداخل أذني هذا الوش والطنين - (أو كما تسميها منظمة الصحة العالمية أيضا بالضوضاء) - الذي لا ينقطع أبدا، وهذا عرض عادي تعايشت معه وتأقلمت عليه كما تتأقلم حشره وضعت مكرهه في بيئة مخالفه لبيئتها الأصلية، أما باقي الأعراض والتي تأتي مع (الهجمة الشرسة) فهي تبدأ بدون سابق أنزار أو قل، بمؤشر بسيط مثل أن أكون جالسه في أمان الله أقوم بعمل أي شيء في البيت – مع ملاحظة ذلك الوش والطنين الدائمين واللذين لا ينقطعان وقد تعودت عليهما تماما مثل الطعام والشراب والنوم وكل الأشياء الحيوية – وفجأة أجد ما يشبه (الشوكة الرنانة) هل تعرفونها؟ إن كنتم لم تروها في المعامل أثناء دراستكم الثانوية، فربما تكونوا قد رأيتموها في إحدى زيارتكم لطبيب الأذن، وهي شوكه ذات طابع خاص يضرب بها الطبيب على كفه ثم يقربها من ظهر صوان الأذن ويسألك، هل تسمع الرنين أم لا؟


في الزمن الفائت كنت اسمع واصف للطبيب ما اسمعه، ولكن تدريجيا بدأ يتلاشى صوت الرنين في الأذن اليمنى تقريبا، ولكن يسمع في الأذن اليسرى، مهلا..مهلا
أنا لست صماء، اقسم لكم أني لست صماء، ولكني أيضا لا اسمع..

اسمع أحدكم يقول:

- هل هذه فزوره؟

كلا اقسم أيضا أنها ليست فزوره، ولكن مقياس السمع الذي أقوم بعمله عند الطبيب المختص، هو الذي يقول ذلك، فمرضى (منير) لا يسمعون كل الحروف مثل جميع البشر، ولكن يوجد لديهم بعض الحروف لا تسمع تماما إلا بمجهود شديد وخاصة حرف (السين) عندي وأيضا بعض الحروف الأخرى،

ماذا يفعل الطبيب لمعرفة إن كنت مريض بهذا المرض أم لا؟

صبرا عليّ سأروي لكم.

يدخلني الطبيب داخل حجرة زجاجيه مغلقة تماما، ويقف هو خارجها ، ولا يوجد أي اتصال بيني وبينه إلا عن طريق ميكرفون أمام فمه، وسماعات على أذني مثل السماعات التي تستعملها أنت في جهاز الكمبيوتر، ولكنها أضخم منها بكثير ولا يتسرب من داخل الحجرة إلى أذني حتى (رنة الأبره) ثم يبدأ الطبيب بنطق بعض الكلمات المكونة من تلك الحروف التي لا يسمعها مرضى (منير) مع كلمات أخرى مكونه من الحروف التي تسمع بسهوله لديهم ثم يأمرني قبل دخول الحجرة طبعا بأني إذا سمعت كلمه ارفع زراعي أما إن لم اسمع اجلس صامته

(هه خلاص كده دخلنا الحجرة إذن يبدأ الطبيب) ينطق الطبيب بعض الكلمات، اسمع كلمه، ارفع زراعي مشيره بأني سمعتها ينطق كلمة أخرى لا اعرف عنها سوى تحريك شفاه الطبيب بدون أن اسمع أي شيء، إذن الكلمة التي لا اسمعها واري منها شفاه الطبيب وهي تتحرك فقط هي مكونه من تلك الحروف التي لا يسمعها مرضى (منير)

اعتقد هكذا يدرك الطبيب بأني مصابه بهذا المرض (السخيف) ويدرك أيضا درجة السمع التي بها أذني، والتي وللأسف، سوف تتلاشى وتنتهي تدريجيا على الأمد البعيد وأصبح صماء، وربما بهذا تنتهي متاعبي التي تتركز في تلك الأعراض المرهقة لهذا المرض السخيف، والتي تصيبني بما اسميه أنا فترة (الكمون) أو (العزلة) أو (الانطواء) سميها أنت كيف تشاء، لأنها أولا: علاوة على الوش والطنين في الأذن الدائمين تصبح رأسي كمن يقذفها بكره من الحديد ومع كل قذفه ترتعش رأسي واشعر بدقات فظيعة في رأسي وكما لو كان هناك عشرة (كلاب) هجمت على رأسي وتنهش بها، علاوة على ارتعاش مقلتي، وتصبح مثل مصباح (النيون) التالف والذي يرتعش باستمرار حتى تنتهي النوبة، والتي تستمر حوالي الدقيقة ثم تنتهي وتعود مرة أخرى بعد اقل من دقيقه وهكذا، كما تصبح عيناي زائغتان حتى لمن ينظر إلى وجهي يراها هكذا ترتعش، كما ترتعش ضربات قلبي وربما أحيانا ترتعش كفاي،وأصاب بالدوار وعدم الاتزان، وأصبح في حاله عصبيه شديدة، وهذه العصبية ليست بسبب هذه الأعراض فقط، ولكنها تأتي أيضا نتيجة لأنني اسمع أنصاف الكلمات فبعض الحروف طائره مني تماما حتى إنني اسمع الكلمة كلمة أخري مما يغير في تركيب الجمل ومعناها كلية وهذا يعمل على خلق المشاكل الكثيرة مع الآخرين، حتى تداركت ذلك وبدأت أدرك أن فقد بعض الحروف هو ما يجعلني اسمع الأشياء أشياء أخرى وبدأت أعيد على المتحدث كلمة (إيه) أو (اعد ما قلت مرة أخرى من فضلك) وهذا يحدث أحيانا لأكثر من أربع أو خمس مرات حتى أدرك ما يقصد بالكلمة تماما، وربما في بعض الأحيان لا أصل إلى المعنى المطلوب واضطر أن اصمت ويصمت محدثي مما يجعلني هذا أصاب بالخجل وانزوي ولا أحب الاختلاط أو التحدث مع الآخرين طوال فترة تلك (الهجمة الشرسة) التي والحمد لله غير مستمرة إلى الأبد مثل الوش والطنين الذي يلازمني منذ عشرون عام ولكن أعراض تلك (الهجمة الشرسة) قد تستمر ربما (يوم) أو (يومان) أو ربما ( أسبوع) أو (أسبوعان) أو (شهر) أو (شهران) واقسم أنها في إحدى المرات استمرت معي لمدة (سنتان) كاملتان وهي ليست مبالغه على الإطلاق مما يجعلني اعتكف داخل المنزل ولا أتحدث في الهاتف وإذا طلبني احد يرد أولادي كما يرد عليك الهاتف عند انقطاعك عن دفع الفاتورة بقولهم:

- نأسف ماما مصابه بنوبة (منير) حادة.

وقد كان في الماضي يضطر أولادي إلى شرح وتوضيح الأمر إلى كل متكلم حتى فهم الجميع الأمر وأصبح يتقبل هذا منهم ببساطه .. هذا مع من هم خارج المنزل، أما داخل المنزل فهو أمر آخر، وأنا اعتبرهم (مساكين والله)..

وهذا لأن مع أن سمعي ضعف كثيرا، إلا أنني أيضا اسمع الحروف التي تسمع بسهوله - وموجودة وسط الكلمات - اسمعها بصوره جيده، مما يجعل صوت التلفاز مثلا يسبب لي إزعاج رهيب, حيث أني اسمع ولا اسمع في نفس الوقت، فيعتبر كل ما اسمعه ضوضاء شديدة، وإذا أحببت أن أصل لسماع الكلمات التي يشق علي سماعها بسهوله تصبح كارثة، لأني سوف اضطر إلى رفع صوت التلفاز لأقصى درجه وهذا ما يثيرني بشده ويجعلني في حاله عصبيه شديدة وخاصة إذا كانت موسيقى وبالأخص الموسيقى التي بها دقات طبول عاليه ومجسمه، علاوة على أن أذني أصبحت بها حساسية زائدة للأصوات، حتى للأصوات العادية التي يسمعها الجميع في المنزل، ولذالك فدائما ما أطالب بتهدئة التلفاز وأحيانا مع الموسيقى اضطر إلى غلقه تماما، ناهيك عن إني إذا اضطررت إلى مجاملة احد الأقارب والذهاب إلى حفل زفاف ويبدأ تشغيل هذا الشيء الرزيل المسمى (ديجيه) - معذرة فهكذا اسمعها، أليست كلمه صحيحة؟ أو لربما تكون أذناي قد أدخلت عليها حروف أخرى أو ألغت منها بعض الحروف وتصبح كلمه غير لائقة أو غير مفهومه – وما أدراك ما (الدي جيه) بالنسبة لي فأحيانا كثيرة ما اترك الفرح هربا من شدة الضوضاء التي تصيب رأسي بحاله رهيبة، مع ذياده شديدة في ضربات القلب إلى صوره تجعلني اشعر أن قلبي يكاد أن يتوقف من شدة سرعة الضربات..

باقي أن أقول لكم أنني قد ذهبت إلى عدد كبير من الأطباء حتى وقفت عند هذا الحد وهذا الفهم الدقيق للوضع بأكمله، وبأنها حاله ميئوس منها ولا شفاء لها وعليّ أن أتأقلم معها، وهذا طبعا في الحالات العادية، وقد تأقلمت وتعايشت معها تماما كما قلت سابقا، أما أثناء (الهجمة الشرسة) فالله وحده الذي يعلم ماذا يحدث فيها، ومع ذلك فأنا أمارس حياتي بكل ما فيها من أعمال المنزل وكتاباتي الخاصة – ألا ترون أنني اكتب إليكم هذا وأنا في حالتي العادية- كما إني أمارس الجلوس أمام الكمبيوتر لأداء مهامي به والقراءة أيضا، أما في الحالة الشرسة فغالبا ما أصاب بعدم التركيز إلى حد كبير حتى التركيز في الصلاة (والله غفور رحيم) كما يحدث اختلال في ألرأيه نتيجة لارتعاش العينان، كل هذا في صمت، فقد أصبحت اركن إلى الصمت والهدوء والانطواء، حتى أصبحت اعشقهم بشده ..

أمثالي في الخارج يقومون بعمل جمعيات تسمى (جمعية مرضى منير) يلتقون فيها كل فتره لمواساة بعضهم البعض، ويأخذ كل واحد منهم خبرة الآخر في الأشياء التي توصل إليها ليستطيع تجنب بعض متاعب المرض، ويقفون على آخر ما توصل له العلم، أما عن نفسي لو كان عندنا في (مصر) مثل هذه اللقاءات كنت سوف انصحهم ببعض الأشياء التي اشعر بأنها تساعد على التقليل من حدة الأعراض وخاصة أثناء (الهجمات الشرسة) مثل انه إذا كان الإحساس شديد تجاه الأذن اليمنى فعليك بالنوم على جانبك الأيسر فهذا يقلل كثيرا من الأعراض التي تحدث بالرأس وتؤدي إلى الأرق وعدم النوم، شيء آخر لاحظته وربما البعض يضحك منه ولو كنت طبيب متخصص لأجريت عليه الأبحاث، وهو شرب كوبان من (الكسبرة) المغلية لفترة على النار، احدهم في الصباح والأخر في المساء ( وحياة ربنا) بيساعد كثير أوي في هدوء الحالة ..

أخيرا والذي اعتقد انه ليس آخرا، هو ما توصل إليه العلماء لعلاج هذا المرض
أولا: وهو ما نأخذه جميعا حتى الذين لا يصابوا بالنوبات الشرسة، وهي أدويه للتقليل من حدة الدوخة والأدوية التي تساعد على وصول الدم من المخ إلى الأذن، كما أن السير لمدة ساعة في اليوم يساعد كثيرا على تحريك الدورة الدموية ليصل الدم إلى المخ ويهدأ من الحالة بعض الشيء..

ثانيا: وهو العلاج الجراحي وهما عمليتان احدهما خطيرة ولكنها تقضي على تلك الأعراض هذا إذا نجحت، وفيها يقوم الجراح بعمل شق في طبلة الأذن، واعتقد انه لخروج السوائل المتجمعة خلف طبلة الأذن، أما عن العملية الأخرى فهي بسيطة وليس منها خطورة ولكن للأسف الشديد تصيب المريض بالصمم التام لأنهم يزيلون فيها طبلة الأذن تماما ..
أما عن نفسي، ومع كل هذه المعاناة وشدة الألم الذي يجعلني أحيانا أريد أن (اخبط رأسي في الجدار) وكل هذه الضوضاء والإزعاج بشده ليّ ولمن حولي إلا إنني أقول لنفسي الحمد لله على ما تبقى معي من سمعي إلى أن يشاء الله بشيء آخر، وعلى رأي المثل (الطشاش ولا العمى)

أخيرا أدعو الله العلي القدير أن يكفيكم جميعا شر هذا المرض، ويشفي من شاء الله أن يصاب به ، كما أرجوكم أن تدعوا لي الله أن يرزقني بالصبر عليه، لأنني وبعد عشرون عام من المعاناة أصبحت اعتبر انه منحة منحني الله إياها ليجزيني بها خيرا في الأخره ويرزقني الجنة على صبري عليها بإذن الله.

أثقلت عليكم سامحوني

والى لقاء آخر
إن شاء الله

2 comments:

JustMe said...

احسست فعلا مدى كرهك لهذا المرض وهذا امر طبيعى ربنا يشفيكى ويعافيكى يخفف عنك بس زى ماانتى قلتى فى اول البوست مش مرض خطير والحمد الله انها كده بس ربنا يشفيكى

فَــوَضَى . .مشاعر ... said...

مساء الخير
بجد احيكى بشده على وصفك الدقيق
انا حاسه بكل كلمه انتى قلتيها
لانى عندى نفس المرض دا
تقريبا من 8 سنوات
بس مكنتش اقدر اوصفه زى ما انتى وصفتى كداا
انا حتى بفكر اطبع المقال داا واوريه لماماا
عندى سؤالين ليكى
اولا هل من جديد وصلتى لحاجه مفيده او تخلصنا من الدوامه دى
ثانيا انا مخطوبه ولسه ف بدايات اقول لخطيبى ولا لا واحكيله ايه وازاى وهل الموضوع دا كان ماثر عليكى فى الزواج والانجاب
ارجو ان يصلنى ردك
ولكى جزيل الشكر